يتساءل الكثير من الناس عندما تصيبهم المحن والابتلاءات: "لماذا يا رب؟ لماذا أنا بالذات؟"، وكأنهم يبحثون عن تفسير لما يبدو أنه ظلم في حياتهم.
ولكن، لنبدأ من مبدأ أساسي يغيب عن الكثيرين، وهو قول الله تعالى: "لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون" (الأنبياء: 23). هذه الآية تلخص الحكمة الإلهية في أفعال الله التي قد تبدو لنا غير مفهومة، لكنها تحمل في طياتها الخير والحكمة المطلقة.
"لا يُسأل عما يفعل": رحلة في أعماق معاني القضاء والقدر |
الابتلاءات بين الرحمة والحكمة
الله سبحانه وتعالى لا يفعل شيئًا عبثًا. كل ما يحدث في حياتنا مليء بالحكمة الإلهية، حتى وإن لم ندركها. الإنسان بطبيعته محدود في فهمه. ربما يرى في أمرٍ معين شرًا مطلقًا، بينما هو في حقيقته يحمل خيرًا عظيمًا.
قصة الزوجة المبتلاة والرضا بحكم الله
ذات يوم، كانت امرأة تشكو ما تعرضت له من ظلم بسبب إنجابها البنات. حكت قصتها قائلة:
"أنجبت ابنتي الأولى، فقامت حماتي وزوجي بطردي من المنزل. ثم حملت مرة أخرى، وجاءت بنت ثانية، فتكرر الأمر نفسه. بعدها، حملت للمرة الثالثة، وجاء الولد الذي كانوا ينتظرونه، لكن مع الأسف، وُلد مصابًا بضمور في المخ."
تلك المرأة عانت الكثير، لكنها لم تدرك أن الله قد يخبئ لها في صبرها خيرًا عظيمًا. فقد تكون الابتلاءات التي واجهتها سببًا في رفع درجتها عند الله أو حماية لها من شر أكبر.
الإنسان لا يدرك الخير من الشر
الله سبحانه وتعالى يعلم ما لا يعلمه البشر، ويضع في كل شيء حكمته المطلقة. تأمل قصة نبي الله موسى عليه السلام عندما كان رضيعًا. يقول الله تعالى: "وحرمنا عليه المراضع من قبل" (القصص: 12).
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى ظلمًا لهذا الطفل الرضيع، ولكن هذا التحريم كان السبب في عودته إلى حضن أمه. لولا ذلك، لربما لم يكن هناك سبيل لموسى للعودة لأمه، وبالتالي تحقيق الحكمة الكبرى في إنقاذه وإعداده لرسالته.
الدعاء بالخير والشر
الله يقول: "ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولًا" (الإسراء: 11). أحيانًا ندعو الله بأشياء نظنها خيرًا لنا، لكنها في الحقيقة قد تكون شرًا.
مثال على ذلك، قد يدعو شخص قائلاً: "يا رب، اجعلني أتزوج فلانة." وهو لا يعلم أن زواجه منها قد يؤدي إلى كارثة في حياته. أو يطلب وظيفة معينة، ولا يعلم أن تلك الوظيفة قد تجلب له التعاسة أو المشاكل.
الابتلاء كوسيلة للفرج والفتح
الابتلاءات التي نمر بها في حياتنا قد تكون في ظاهرها مؤلمة، لكنها قد تكون سببًا في فتح أبواب الخير أمامنا. من تجربة شخصية، يقول أحدهم:
"كان لدي ملف مليء بالابتلاءات التي اعتقدت أنها سبب تعاستي. لكن بعد سنوات، أدركت أن تلك الابتلاءات كانت السبب في نجاحي وقربى من الله."
الحكمة الإلهية وراء الابتلاءات تتضح مع مرور الزمن. ما نراه شرًا اليوم قد نراه خيرًا بعد سنوات.
التسليم لحكمة الله
على الإنسان أن يتعامل مع أقدار الله بفهم وتسليم. الله هو العليم الحكيم، وكل أفعاله مبنية على الرحمة المطلقة. علينا أن ندرك أن الحكمة الإلهية قد تكون خفية علينا الآن، لكنها دائمًا تصب في مصلحتنا.
لا تقل "لماذا أنا؟"
عندما تقول: "لماذا يا رب فعلت بي هذا؟" تذكر أنك لا ترى الصورة الكاملة. ما تراه كضيق اليوم قد يكون سبب سعادتك غدًا.
الله تعالى يقول: "فعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" (البقرة: 216).
الابتلاء رحمة أم عقوبة؟
الابتلاء ليس بالضرورة عقوبة. قد يكون اختبارًا، أو تطهيرًا للذنوب، أو رفعًا للدرجات. المؤمن يعلم أن الله أرحم به من نفسه، وأنه لا يقدر له إلا الخير.
خاتمة:
في النهاية، علينا أن نفهم حكمة الله في كل ما يحدث حولنا. التسليم لأقدار الله هو الطريق للراحة النفسية والرضا. دعونا نتذكر دائمًا أن الله لا يظلم أحدًا، وأن كل شيء يحدث وفق حكمته المطلقة.
راموس المصري Ramos Al-Masry يدعوكم للتأمل في حياتكم، والثقة بحكمة الله، واليقين بأن كل ما يقدره الله هو خير لنا، حتى وإن لم ندرك ذلك الآن.