في هذا المقال المميز على موقع "راموس المصري Ramos Al-Masry"، نتناول مشكلة تُواجهنا جميعًا اليوم: تشتت التركيز في عالمٍ تتزايد فيه الضغوط والمشتتات بشكل لا يتوقف. كم مرة أردت التركيز في أمرٍ معين، مثل قراءة كتاب، أو حل واجب مهم، لكنك وجدت نفسك تتنقل بين التطبيقات على هاتفك أو تتصفح مواقع التواصل الاجتماعي دون إرادة؟ تتأثر جودة حياتنا بشكل كبير نتيجة فقدان التركيز، والذي يرتبط بممارسات وعادات يومية تشغلنا وتُفقدنا قدرتنا على العيش في اللحظة. لذا، سنأخذك في رحلة للتعمق في أسباب قلة التركيز وكيفية استعادته، ليس عبر نصائح سطحية، بل بالتركيز على الأسباب العميقة الكامنة خلف المشكلة وكيفية معالجتها بشكل جذري وفعّال.
لا تضيع وقتك: استعد لتركيز لا يقاوم |
لماذا نفقد التركيز في المقام الأول؟
يواجه الإنسان الحديث تحديات مستمرة فيما يتعلق بالحفاظ على تركيزه وانتباهه في ظل تعدد المهام والضغوط اليومية. لكن ربما تظن أن فقدان التركيز مرتبط فقط بالجوال أو وسائل التواصل الاجتماعي، في حين أن هناك أسبابًا عميقة أكثر تأثيرًا. سنستعرض هنا ثلاث أنواع من التركيز، كما ذكرها الكاتب يوهان هاري في كتابه "ستولن فوكس"، والتي يمكن أن تساعدك في فهم كيفية بناء التركيز الذي تحتاجه لحياتك.
القطب الأول للتركيز: النظام الغذائي
يُعتبر النظام الغذائي من أهم المؤثرات التي تلعب دورًا في قدرتنا على التركيز. في الستينات والسبعينات، كان معظم الناس يتمتعون بوزن طبيعي، بسبب تناولهم للطعام الصحي والخالي من المواد الاصطناعية. أما اليوم، فزيادة الوزن والأطعمة ذات السعرات العالية أصبحت شائعة، مما يؤثر سلبًا على الدماغ، حيث يستهلك الأطعمة التي ترفع نسبة السكر بسرعة مما يؤدي إلى ارتفاع الطاقة لفترة قصيرة ثم انخفاضها، مما يجعل الدماغ في أسوأ حالاته من حيث القدرة على التركيز.
- التقليل من السكريات: تجنب الأطعمة التي تحتوي على سكريات مضافة، خاصة في أوقات العمل أو الدراسة.
- زيادة الأطعمة المغذية: ركز على الخضروات والفواكه الطازجة، وتناول المكسرات والأسماك التي تحتوي على دهون صحية مهمة لعمل الدماغ.
- التوازن في الوجبات: لا تُهمل الوجبات الرئيسية، وحاول أن تكون متوازنة وتحتوي على عناصر غذائية متنوعة.
القطب الثاني للتركيز: النوم
النوم عاملٌ آخر بالغ الأهمية يؤثر بشكل مباشر على جودة تركيزنا. خلال الـ 100 عام الماضية، انخفض متوسط ساعات النوم بأكثر من 20%، بينما أظهرت الدراسات أن حوالي 37% من الناس يعانون من مشكلاتٍ في النوم. كما أوضحت دراسة حديثة من جامعة الملك عبد العزيز أن معظم المشاركين كانوا يتوجهون للنوم بعد الساعة الثالثة صباحًا في نهاية الأسبوع، مما يؤثر بشكل كبير على جودة النوم.
- التزم بجدول نوم محدد: حاول الذهاب للنوم والاستيقاظ في نفس الوقت كل يوم.
- تجنب الكافيين في المساء: يُفضل عدم تناول مشروبات تحتوي على الكافيين قبل 4-6 ساعات من النوم.
- الابتعاد عن الشاشات: حاول عدم استخدام الهاتف أو أي جهاز إلكتروني قبل النوم بساعة.
الحرب النفسية مع التطبيقات: كيف تأسر الشركات اهتمامنا؟
صُممت تطبيقات التواصل الاجتماعي لتستهلك أكبر قدر من وقت المستخدم، حيث تستخدم الخوارزميات طرقًا فعّالة في استغلال نفسيتنا للبقاء مدة أطول في التطبيق، ويكون ذلك عبر دراسة الأنماط النفسية للمستخدمين وتقديم محتوى يستحوذ على اهتمامهم. فمثلًا، يُحرضك "اليوتيوب" على البقاء وقتًا أطول عبر عرض مقاطع فيديو مشابهة للمحتوى الذي تشاهده.
إذن، كيف يمكننا تقليل تأثير هذا التلاعب النفسي؟
- تحديد وقت محدد للاستخدام: خصص وقتًا محددًا يوميًا لتصفح وسائل التواصل الاجتماعي.
- إيقاف الإشعارات: أحد الأسباب الرئيسية التي تُشتت الانتباه هو إشعارات التطبيقات.
- استخدام أدوات المراقبة الذاتية: هناك تطبيقات تساعدك في تتبع استخدامك للهاتف، ويمكن أن تكون أداةً جيدة لتقليل وقت الاستخدام.
ظاهرة التسارع والتبديل في المهام
- تخصيص وقت محدد لكل مهمة: حاول إنهاء كل مهمة قبل الانتقال إلى غيرها.
- تقليل مصادر التشتيت: ضع هاتفك بعيدًا أثناء العمل.
- التركيز في الحاضر: يمكن لممارسة التأمل أو الاسترخاء أن يساعدك في استعادة التركيز والبقاء في اللحظة.
حالة التدفق: أعلى مستويات التركيز
حالة التدفق أو "الفلو ستيت" هي حالة من التركيز العميق حيث يكون الشخص مغمورًا بالكامل في نشاط عقلي أو جسدي، ويشعر بأنه يعيش اللحظة بشكل كامل. يُعتبر المبدعون، مثل الرسامين والكتاب، أمثلة رائعة لمن يعيشون حالة التدفق أثناء عملهم، حيث ينسون الوقت والمكان.
- حدد هدفًا واضحًا: مثل قراءة فصل معين من كتاب.
- اختر نشاطًا يثير اهتمامك: من المهم أن يكون النشاط ذو قيمة ومعنى بالنسبة لك.
- تحكم في بيئة العمل: اخلق بيئة خالية من المشتتات لتحقيق أقصى تركيز.
الشرود الذهني: وقت السرحان والتأمل
لا تقلل من أهمية السرحان أو ما يعرف بالشرود الذهني، فهو جزءٌ من إعادة شحن الطاقة الذهنية. نحتاج إلى لحظات من التأمل والتفكير العفوي للراحة، دون أي مشتتات. أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين يمنحون أنفسهم وقتًا للتأمل يمكنهم تحسين تركيزهم على المدى الطويل، لأنهم يعطون أدمغتهم فرصة للتفكير بعمق والاسترخاء.
- حدد وقتًا للشرود: اسمح لنفسك بتخصيص وقت للتأمل اليومي.
- تجنب استخدام الأجهزة خلال هذا الوقت: أوقف أي مؤثرات خارجية تمنعك من التفكير بحرية.
- استخدم هذا الوقت لمراجعة الذات: فكر في أهدافك وخططك وكيفية تحقيقها دون ضغوط.
وفي الختام، يُسعدنا في موقع "راموس المصري Ramos Al-Masry" أن نكون قد قدمنا لكم دليلًا شاملاً حول كيفية استعادة التركيز في حياتكم اليومية. تذكَّر أن جودة حياتك تعتمد بشكل كبير على قدرتك على التركيز وتجنب المشتتات، بدءًا من عاداتك الغذائية، ونظام نومك، وصولًا إلى طريقة تعاملك مع وسائل التواصل الاجتماعي. الحياة قصيرة ومليئة بالتحديات، لذا عشها بتركيز واستمتع بكل لحظة فيها. شارك هذه النصائح مع أصدقائك وأحبائك، ودعونا نعمل سويًا على خلق بيئة تحفز على التركيز والعيش الواعي.