في هذه الحياة، تتغير الأحداث وتتكالب علينا الأقدار، وكل منا معرض للابتلاء، لكن البعض منا يقابل هذه المِحن بشجاعة وإيمان يُثبت قدرة الخالق على جبر القلوب ورزق العافية بعد البلاء. في هذه القصة، يروي لنا أحد الشباب المتزوجين قصة حياته التي تغيرت في لحظة، ليصبح عنواناً للأمل والإيمان في وجه البلاء.
كان الشاب، في أوائل الثلاثينات من عمره، يعيش حياةً عادية، ينعم بالصحة والعافية، محاطًا بأسرته وأطفاله، ينظر للمستقبل بأمل وتفاؤل. لكن في يومٍ من الأيام، حدث ما لم يكن في الحسبان، إذ تعرض لحادث أليم تركه في حالة لا يُحسد عليها؛ فقد أصيب بشللٍ رباعي في أطرافه الأربعة، وفقد بصره، ولم يتبقَّ له إلا حاسة السمع، حيث أصبح عاجزًا عن الحركة أو الرؤية، إلا أنه كان يُدرك كل ما يدور حوله.
من الظلام إلى النور: قصة أمل لا تنتهي |
درس في شكر النعمة
القصة تحمل في طياتها دعوة للتأمل والشكر، إذ يُعتبر استشعار النعمة من أسمى مظاهر الإيمان، فالله يُنعم علينا بفضله وكرمه، لكن الكثيرين منا قد يغفلون عن شكر تلك النعم التي قد تبدو بديهية. وكما قيل، "الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى." فكان الشاب يُذكر المحيطين به بفضل الله وضرورة التمسك بالدعاء: "اللهم إني أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك، وتحول عافيتك وجميع سخطك." ويحث على المواظبة على هذا الدعاء صباحاً ومساءً، لأن الشكر يحفظ النعم ويدفع البلاء.
بعد البلاء.. من يتذكره؟
عقب إصابته، بقي هذا الشاب طريح الفراش في منزله، حيث انخفض عدد الزوار بمرور الوقت. في البداية، كان الناس يأتون لزيارته بانتظام، ثم قلَّت الزيارات تدريجيًا، حتى أصبح وحيدًا مع زوجته، التي بقيت ترعاه رغم مشاغلها الكثيرة في تربية الأبناء واهتمامها بشؤون البيت. وضعوه في غرفة قرب الباب، ليكون قريباً ممن يرغبون في زيارته. وبسبب عجزه عن التعبير، كانت زوجته تقوم برعايته بقدر ما يتاح لها من وقت وجهد، فتحرص على إطعامه وسقيه وفق برنامجها اليومي، لكنها كانت في بعض الأحيان تتركه دون إدراك لحاجته الفعلية، وهذا مما زاد معاناته.
واقع الصمت والعجز
بالإضافة إلى الألم الجسدي، عانى الشاب من الوحدة النفسية، إذ كان يملك القدرة على السمع ولكنه غير قادر على التعبير أو التفاعل. سمع الكثير من أحاديث الزوار، وعاش في حالة أشبه بالمحبوس داخل جسده. وقد كانت زوجته تستضيف جاراتها اللاتي يأتين للتسامر معها، دون أن يدركن أنه يُدرك حديثهن ويشعر بوجودهن. وهذا الأمر ضاعف من إحساسه بالعجز، حيث يسمع دون أن يكون له دور في الحديث، أو قدرة على التعبير عما يختلج في صدره.
دعاء المضطر… فهل من مجيب؟
بلغ من الأمر أن إحدى الجارات سألت زوجته عن حاله، فما كان من الزوجة إلا أن أجابت بحزن وضيق من ثقل المسؤولية، وقالت: "والله لو أنه يموت كان أفضل لنا." كلماتها كانت كالسهم الذي أصاب قلبه، إذ لم يتوقع أن يسمع هذا الحديث من زوجته التي رافقته في كل لحظات الحياة. تمنى الموت بالفعل في لحظات الأسى، لكنه تضرع إلى الله، فهو وحده الذي يعلم ما في الصدور ويعلم معاناته الحقيقية.
الأمل بعد اليأس
في إحدى الليالي، وبينما كان الشاب غارقًا في دعائه، أحس بنبض غير مألوف يسري في جسده. شعور أشبه بتيار كهربائي يتدفق من أطرافه، مما جعله يشعر بأجزاء من جسده تتحرك للمرة الأولى منذ مدة طويلة. كانت صدمته كبيرة حين بدأ يحرك يديه ثم قدميه. دفعه هذا الشعور إلى محاولة الوقوف، وبالفعل، نهض واقفًا على قدميه! استعاد بصره أيضًا، واستطاع رؤية أرجاء المنزل بفضل ضوء القمر المتسلل إلى الداخل.
لقاء مؤثر مع الزوجة
عبر ودروس من القصة
في النهاية، تتجلى في هذه القصة قدرة الله على شفاء الجروح وجبر القلوب، فالله وحده هو القادر على تغيير الأحوال في لحظات، وقد يمنح العبد خيرًا لم يكن يتوقعه. نرجو من الله أن يلهمنا الصبر والشكر، وأن نكون ممن يتوجهون إليه في السراء والضراء. فهذه القصة تُظهر لنا أن الأمل موجود دائماً، وأن الله لن يخذل عبدًا دعاه بصدق وإخلاص.